حماية حق الحياة في الشريعة الاسلامية
*
ـ حق الإنسان في الحياة:
ومن أجل كرامة الإنسان وحقه في الحياة (حفظ النفس) قررت الشريعة الإسلامية حرمة حياة الإنسان وحفظ هذه الحرمة وعدم الاعتداء عليها بالقتل، فحرّم الإسلام قتل الإنسان واعتبره جريمة موجهة للإنسانية كلها، بل جعل حفظها نعمة للإنسانية. قال تعالى في تأكيد ذلك: مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.
فما أعظم هذه الأحكام وما أبلغها في حماية النفس الإنسانية التي قررتها الشريعة الإسلامية قبل ما يزيد على ألف وأربعمائة عام في الوقت الذي لم يستطع المجتمع الدولي أن يعتبر قتل المئات بل الآلاف من البشر جريمة إلا في عام 1948 حين تقرر عن طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة، ان إبادة ***** البشري جريمة معاقب عليها وقد أوجبت الشريعة الإسلامية في القتل العمد، القصاص من القاتل وجعلت لولي المقتول بعد صدور حكم القاضي بالقتل لتنفيذه على القاتل، ولكن ليس لهم أن يقتلوا سوى القاتل بخلاف ما كان يجري قبل الإسلام على أساس مبدأ الثأر وفي تأكيد ذلك قوله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق) الأنعام/ 151.
ومعنى ذلك أنه لا ينبغي قتل سوى القاتل ثم قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) البقرة/ 178، ورسم القرآن الكريم صورة واضحة لأعمال الإنسان الذي يعتدي على أخيه الإنسان بالقتل وأن ينال من أحد أعضائه قال تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص) المائدة/ 45، فمن قتل إنساناً يقتل ومَن فقأ عيناً فقئت عينه ومَن جدع أنفاً جدع أنفه ومَن كسر سناً لآخر كسر سنه. وهناك تطبيقات كثيرة حصلت في عهد الرسول والخلفاء الراشدين.
وعن سمرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): مَن قتل عبده قتلناه ومَن جدع عبده جدعناه (رواه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي) وهو من رواية والنسائي بزيادة (مَن خصي عبده خصيناه) وصحح الحاكم هذه الزيادة. وعن أنس بن مالك (رض) أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها: مَن صنع بك هذا؟ فلان حتى ذكروا يهودياً فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فأقر فأمر رسول الله (ص) أن يرض رأسه بين حجرين (متفق عليه وعن لفظه) وعن أنس (رض): أن الرُّبَيع بنت النضر عمته كسّرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الإرث فأبوا، فأتوا رسول الله (ص)، فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله عليه وسلم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها. فقال رسول الله (ص): يا أنس كتاب الله القصاص، فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله (ص): (ان من عباد الله مَن لو أقسم على الله لأبره) متفق عليه واللفظ للبخاري ولم يقتصر هذا الحال على عهد الرسول (ص) بل ساد عهد الخلفاء الراشدين أيضاً، فأثناء ولاية عمرو بن العاص لمصر نازع ابن عمرو بن العاص شاباً من دهماء المصريين في ميدان سباق فضرب المصري بالسوط، فأقسم المجني عليه ليشكونه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رض) فقال له: اذهب فلن ينالني ضرر من شكواك فأنا ابن الأكرمين، فرحل الشاب من مصر إلى الحجاز ورفع شكواه إلى الخليفة، فأرسل الخليفة إلى مصر يستدعي الوالي وابنه، وجلس المظالم علانية فقال مخاطباً الخليفة: يا أمير المؤمنين، إن هذا (وأشار إلى ابن عمرو) ضربني ظلماً، ولما توعدته بأن أشكوه إليك قال اذهب فأنا ابن الأكرمين فنظر عمر إلى عمرو، وقال قولته المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ثم توجه الشاكي، وناوله درته وقال له: اضرب بها ابن الأكرمين كما ضربك. وبعد أن اقتص لنفسه من الجاني، طلب إليه أمير المؤمنين أن يضرب عمرو بن العاص نفسه الذي اعتز ابنه بجاهه فارتكب ما ارتكب ولكن الشاب صفح عن عمرو بن العاص وقال مكتفياً: لقد ضربت مَن ضربني يا أمير المؤمنين.
وقد أقر الإسلام مبدأ المساواة في تقرير حرمة الدم واستحقاق الحياة للمسلم وغير المسلم والرجل والمرأة، فالذمي له حق في بلاد المسلمين والمساواة في المعاملة والعدل والقضاء وعصمة دمه ودينه وماله وعرضه، وقد جاء في كتاب الله ما يحدد موقف المسلمين من معاملته. قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب/ 21، وقوله تعالى: (فإن الله هو الغني الحميد) الحديد/ 24 .. وقال: (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غير رحيم) الممتحنة/ 7، ثم قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم ان تولوهم ومَن يتولهم فأولئك هم الظالمون) الممتحنة/ 8 و 9. وفيما رواه عمرو بن العاص (رض) عن النبي (ص): (مَن قتل معاهداً لم يرج رائحة الجنة ومَن قتل قتيلاً من أهل الذمة حرّم الله عليه الجنة) رواه النسائي في سننه. أما بشأن احترام حق المرأة في الحياة ومساواتها بالرجل قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) البقرة/ 228، فهي مساوية للرجل إلا في أمر نص عليه وهو (وللرجال عليهن درجة) وهذه الدرجة فسّرها بقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) النساء/ 34، ثم قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً ونساء) النساء/ 1، وقول النبي (ص): (إنما النساء شقائق الرجال) النساء/ 1.
ومن مظاهر حماية حق الإنسان في الحياة واهتمام الإسلام بالمحافظة على النفس الإنسانية الاهتمام بالمحافظة على الطفل واللقيط واليتيم. فبالنسبة للطفل الاهتمام به يمر من خلال أهمية المحافظة على النسل، لذلك أكدت الشريعة الاسلامية على تأكيد حقوق الطفل وحمايتها ومن أهمها حق الحياة، وتأكيداً لهذا الحق اهتم الإسلام بحقه في الرضاعة والإنفاق عليه. قال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بوالده) البقرة/ 233. فالرضاعة من حقوق الطفل وليس للأم أن تمتنع عن إرضاعه إضراراً بأبيه مثلاً لأن ذلك يصيب الطفل مباشرة.
واهتمت الشريعة الاسلامية، ليس فقط بالطفل الوليد، فحسب بل أيضاً اهتمت بالجنين في بطن أمه وقبل ولادته كانسان في حالة تعرض أمه لأذىً أو للضرب المفضي إلى موت الجنين في بطنها احتراماً لآدميته. وفي تأكيد ذلك عن أبي هريرة (ض) قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله (ص)، فقضى رسول الله (ص) أن دية جنينها غرة) وفي حديث رسول الله في هذا الشأن مسائل منها ما فيه دليل على أن الجنين إذا مات بسبب الجناية وجبت فيه (الغرة) مطلقاً سواء انفصل عن أمه وخرج ميتاً أو مات في بطنها. فأما إذا خرج حيا ثم مات ففيه الدية كاملة ولكنه لابد أن يعلم أنه جنين كأن تخرج منه يدل أو رجل، وإلا فالأصل براءة الذمة وعدم وجوب الغرة .. الخ.
كما حرص الإسلام على الاهتمام باللقيط، وحقه في الحياة وهو الذي لا يعترف بنسبه أحد، فقد أوجب الشرع الإسلامي على المسلمين عدم تركه في مكانه بل أوجب التقاطه والعناية به، وجعله فرض كفاية على المسلمين إذا قام بهذا الفرض بعضهم سقط الإثم عن البعض الآخر وإن لم يقم به أحد فالإثم على الجميع. ويقول الماوردي: ومّن أخذ لقيطاً وقصّر في كفالته أمره أن يقوم بحقوق في التقاطه من التزام كفالته أو تسليمه إلى مَن يلتزمها ويقوم بها.
وقد أولت الشريعة الاسلامية اليتيم اهتماماً خاصاً وكفالة حقوقه واحترام آدميته وحقه في الحياة وعدم الإضرار به وذلك في العديد من الآيات البينات في القرآن الكريم. قال تعالى: (ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم فإخوانكم) البقرة/ 220. ثم قال: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) النساء/ 6. وقال: (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر) الضحى/ 9. وقال أيضاً: (كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين) الفجر/ 17 و 18. وقال: (قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى) البقرة/ 215. وفي الحفاظ على أموالهم ورعايتها قال تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً) النساء/ 10.
وقد أوصى الرسول محمد (ص) باليتيم خيراً عن طريق رعايته وحمايته والعطف عليه احتراماً لآدميته في الحياة وحقه في الحياة الكريمة. قال (ص): (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت للمسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه) وقال أيضاً: (أنا وكافل اليتيم في الجنة). ثم قال في باب ملاطفة اليتيم: (يا أبا بكر، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك).
ولما كان الإسلام يقوم على احترام النفس الانسانية وتكريمها فإن الشريعة الاسلامية أكدت على كرامة الإنسان فإن للشيوخ الطاعنين في السن والعجز حقوقاً يتعين احترامها وتكريمها وقضاء حاجاتهم، فلهم حقوق متساوية ومماثلة لحقوق الآخرين في الحياة والعيش الكريم. وفرض الإسلام على القادرين رعايتهم وتقديم العون لهم. قال النبي (ص): (ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف (حق) كبيرنا). وقد أكد فقهاء الشريعة الاسلامية أن رعاية الشيوخ والعجزة والعناية بهم حق على أقاربهم. فحين لا يوجد لهم أقارب فيقع عند ذلك الواجب على الدولة تنفق عليهم من بيت المال. فتسعى بذلك إلى تحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي. قال رسول الله (ص): (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ويقول الفقهاء المسلمون إن السلطان هو المسؤول عن فرض ما يقوم بالفقراء على الأغنياء. ففي عهد خالد بن الوليد إلى أهل الحيرة ما يمثل معنى ذلك النظام الإسلامي: ( .. فإن فتح الله علينا فهم على ذمتهم، لهم بذلك عهد الله وميثاقه ... وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر وصار أهله يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام فإن خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار الإسلام فليس على المسلمين النفقة على عيالهم).
وحق التكريم الشخصي للإنسان في حياته حق يترتب عنه التزامات إيجابية مظهرها القيام ببعض الأفعال التي تظهر اعتزاز الانسان واحترامه ومنع كل ما من شأنه إذلاله وإهانته. والشريعة الاسلامية أعطت لهذه المسألة ما تستحقه من اهتمام وتكريم. فما دام الانسان يحرص أشد الحرص على احترام الآخرين وإعزازهم فلابد أن تكون حقوقاً متقابلة. ومما يتصل بحق الإنسان في الحياة في الشريعة الاسلامية وتعتبر من متممات ذلك الحق.
أ ـ حق الإنسان في الأمن في حياته:
فالحياة الإنسانية الكاملة مصونة في الاسلام لا يجوز التعرض لها بالقتل أو بالجرح، أو بأي شكل من أشكال الاعتداء سواء كان الاعتداء على بدنه أو على نفسه أو مشاعره أو بازدرائه أو الانتقاص من قيمته الإنسانية.
فالشريعة الاسلامية قررت مجموعة من الأحكام والعقوبات كضمانات تكفل عدم الاعتداء على حياة الانسان حتى يستطيع أن يمارس نشاطه بحرية تامة بدون إعاقة أو ضرر فحرم قتل الإنسان ووضع له القصاص في حالة القتل. ونحت الشريعة الاسلامية منحى متميز عن الشرائع الأخرى فسوت قيمة الانسان الفرد الواحد بقيمة البشرية كلها، قال تعالى: (مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) المائدة/ 32، ولحماية أمن الإنسان في حياته قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) البقرة/ 179، وهذا القصاص عام بدون استثناء يطبق على الجميع بدون استثناء.
وإذا كان الله تعالى حرّم القتل، فإنه حرّم قتل الإنسان لنفسه (وهو ما يسمى بلغة القانون الانتحار) قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء/ 29 وإن قتل الإنسان لنفسه كقتل الغير يعتبر إثماً في الشريعة الإسلامية، قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة/ 195 والله سبحانه وتعالى كما حرّم القتل فإنه حرّم الاعتداء على جسد الإنسان بالضرب أو بالجرح، قال تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) المائدة/ 45.
قال محمد (ص): (ظهر المسلم حمي إلا بحقه) وقال أيضاً: (مَن جلد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان).
ب ـ حق الإنسان في التنقل:
ويعني انتقال الإنسان من مكان إلى آخر بما تقتضيه ظروف الحياة الإنسانية والعمل والكسب الذي لا غنى للإنسان عنه فهو لازم للحياة الإنسانية في مفهوم الشريعة الاسلامية والذي أقرته قال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) يوسف/ 109، وقال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) الجمعة/ 10، ثم قال: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) الملك/ 15.
ج ـ حرمة المسكن:
قررت الشريعة الاسلامية إن للمساكن حرمتها فلا يجوز لأحد أن يدخلها إلا بإذن صاحبها ولا يجوز الاعتداء على حرمة المسكن لأنها اعتداء على حق الإنسان في حياته. ولضمان هذا الحق وضع الشرع الاسلامي مجموعة من الأحكام ينبغي على المسلمين مراعاتها عند دخول المساكن حفظاً لحقوق ساكنيها. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم، والله بما تعملون عليم) النور/ 27 و 28.
ومن الأحكام التي قررتها الشريعة الاسلامية لضمان حرمة المساكن تحريم التجسس والتلصص على مساكن الآخرين وحفظ حرمتها قال تعالى: (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً) الحجرات/ 12.
ومن الحقوق المشتركة بين حق الله وحق الإنسان منع الإشراف على مساكن الناس (ولا يلزم من علا بناؤه أن يستر سطحه وإنما يلزم ألا يشرف على غيره) وتأكيداً لذلك كتب الخليفة عمر بن الخطاب (رض) إلى عمرو بن العاص (سلام عليك أما بعد: فإنه بلغني أن خارجة بن حذافة بنى غرفة ولقد أراد أن يطلع على عورات جيرانه، فإذا أتاك كتابي هذا فاهدمها إن شاء الله تعالى والسلام).
هذه هي أحكام الشريعة الاسلامية الغراء في حماية حق الحياة للإنسان ووضع الضمانات الكفيلة لتلك الحماية التي لم تبلغها شريعة من الشرائع السماواتية ولم تصل إلى كمالها وعلويتها المواثيق والاتفاقيات الدولية أو التشريعات الداخلية وإنما أتى بها القرآن الكريم وبلورتها سنة الرسول محمد منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة.
الشريعة والقانون
10-11-2008, 03:56 PM
في فترة دراستي توقفت عند موضوع القصاص علي مقارنه بين الآية الكريم قوله تعالي { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة — 179 . وبين مقولة العرب (القتل انفي للقتل) والفرق بين بلاغة الاية الكريمه وما تشمله من معاني وبين مقولة العرب فابهرني ما قرأت واردت ان لا تقف المعرفة عندي ادعوي الله ان تصل لغيري فضلت البحت عن كتابتها فوجدت ما اردت ايصاله اليكم مكتوبا باسلوب اتمني ان يكون سهلا وابلغ مني في توصيل المعلومه...
ولا تنسونا بصالح دعائكم
الشريعة والقانون
10-11-2008, 03:58 PM
كانت العرب في الجاهلية إذا اعتدى فرد عليهم أباحوا دمه و دم قومه . و ليس بخاف ما جرى بين بكر و تغلب من حرب سميت بحرب البسوس , و كان باعثها عدوان كليب وائل على ناقة لما رآها في مرعى قد حماه , فهرعت البسوس تنشد الشعر , فثار جساس بن مرة فطعن كليبا طعنة أثقلته فمات منه . و دامت الحرب أربعين سنة سفكت فيها الدماء و أبيحث فيها الأعراض و هلك فيها الحرث و النسل . و ليست حرب داحس و الغبراء عنها ببعيد . و عندما بزغ نور الإسلام في مكة المكرمة كان من أهم مقاصد الشريعة حفظ الأنفس و حقن الدماء و إعمار الأرض , فأنزل الله في كتابه العزيز{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة — 179 . فمن همّ بالقتل فتذكر القصاص يرتدع عن القتل فكان ذلك حياة له و لمن همّ بقتله ، و من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض يقتل بمفرده و لا ذنب لأهله و لا لأهل القتيل . فكان القصاص حياة للفرد وللمجتمع. و حيث وصفت الآية القصاص بأنه حياة فدّل ذلك على أن تشريع غيره كالسجن المؤبد لا يؤدي إلى الهدف . و القصاص ليس وحشية أو ظلم فهو كبتر العضو من الجسد في سبيل بقاء الجسد على قيد الحياة . وأينما تتعطل الحدود الإلهية تنتشر الجرائم , فقدأعلن مكتب التحقيقات الاتحادي الامريكي ان عدد جرائم القتل وحالات الاغتصابالمسجلة في الولايات المتحدة زاد عام 2002. وذكر مكتب التحقيقات في تقريرهالسنوي عن الجريمة في الولايات المتحدة أن جرائم القتل زادت بنسبة 1% ووصلت إلى16204جريمة مقارنة بعام 2001.
نعم حثّ الإسلام على العفو عن المذنب في حقنا ما لم يصل إلى حد الإفساد و الحرابة . إلا أن المصلحة العامة قائمة على تشريع حق القصاص في حالات العمد , مع الندب إلى الرحمة و الرأفة .
كسرت الربيع - وهى ابنة النضر - ثنية جارية فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأبوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص فقال أنس ابن النضر أ تكسر ثنية الربيع يا رسول الله ؟! لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها. فقال: يا أنس كتاب الله القصاص. فرضي القوم وعفوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو اقسم على الله لأبره . زاد الفزارى عن حميد عن أنس فرضى القوم وقبلوا الأرش .أخرجه البخاري .و كانت العرب تقول ( القتل أنفى للقتل ) . إلا أن القرآن معجزة في كل شأن من شؤونه , فلا مقارنة بين الآية الكريمة و بين هذه العبارة و أمثالها , و يمكن أن نذكر بعض الوجوه :
أحدها —الآية الكريمة أكثر فائدة , لما فيها من إبانة العدل لذكره القصاص , وإبانة الهدف و الغرض و هو الحياة , و استدعاء أولي الألباب .
و ثانيها -أنها أوجز في العبارة , فحروف ( في القصاص حياة ) مع التنوين أحد عشر وحروف ( القتل أنفى للقتل ) أربعة عشرة , علماً أن المدار على الحروف الملفوظة لا المكتوبة .
و ثالثها —خلو الآية من تكرار الكلمة .
و رابعها -أنها أحسن تأليفا بالحروف المتلائمة . فإن الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة ، لبعد الهمزة من اللام . وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام .
و خامسها -ما يفيده تنكير " حياة " من التعظيم و التكثير .
و سادسها —اطراد المعنى في الآية . فالقصاص مطلقا سبب للحياة بخلاف القتل فانه قد يكون انفي للقتل كالذي على وجه القصاص وقد يكون ادعى له كالقتل ظلما .
و سابعها-استغناء الآية عن تقدير محذوف , بخلاف قولهم فإن تقديره القتل أنفى للقتل من تركه .
و ثامنها-اشتمال الآية على صنعة المطابقة وهي الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة كالقصاص والحياة .
و تاسعها - تضمن الآية للحث والترغيب فإنها تدل على حياة مذخورة للناس عند تطبيقهم لهذا الحكم .
و عاشرها —مشّرع القصاص لا يريد بقوله هذا إلا حفظ منافعهم ورعاية مصلحتهم من غير عائد يعود إليه حيث قال ( و لكم ).
و كلما زدت في الآية تدبرا زادتك في تجلياتها بجمالها وغلبتك بنورها , وكلمة الله هي العليا .
الشريعة والقانون
11-11-2008, 12:22 AM
كتاب القصاص .
ضابط : القتل أربعة أقسام
أحدها : ما يوجب القصاص , والدية , والكفارة , وهو القتل العمد العدوان المكافئ , ولا مانع .
الثاني : ما لا يوجب واحدا منها , وهو قتل المرتد , والزاني المحصن , ونحوهما .
الثالث : ما يوجب الدية والكفارة , دون القصاص , وهو الخطأ , وشبه العمد , وبعض أنواع العمد .
الرابع : ما يوجب القصاص والكفارة , دون الدية . وهي : ما إذا وجب لرجل . [ ص: 484 ] على آخر قصاص في النفس لقتل مورثه , فجنى المقتص على القاتل : فقطع يديه , فإنه ليس له بعد ذلك الدية . لو عفا , ولو أراد القصاص , فله .
ضابط :
قال في التلخيص : كل عاقل بالغ قتل عمدا , وجب القود إذا كانا متكافئين , إلا في الأصول , وإذا ورث القاتل بعض قصاص المقتول .
الشريعة والقانون
11-11-2008, 12:25 AM
الجناية في الأصل نوعان : جناية على البهائم والجمادات , وجناية على الآدمي .
( أما ) الجناية على البهائم والجمادات فنوعان أيضا : غصب وإتلاف , وقد ذكرنا كل واحد منهما في كتاب الغصب , وهذا الكتاب وضع لبيان حكم الجناية على الآدمي خاصة , فنقول وبالله تعالى التوفيق : الجناية على الآدمي في الأصل أنواع ثلاثة : جناية على النفس مطلقا , وجناية على ما دون النفس مطلقا , وجناية على ما هو نفس من وجه دون وجه .
( أما ) الجناية على النفس مطلقا فهي قتل المولود , والكلام في القتل في مواضع : في بيان أنواع القتل , وفي بيان صفة كل نوع , وفي بيان حكم كل نوع منه .
( أما ) الأول : فالقتل أربعة أنواع : قتل هو عمد محض ليس فيه شبهة العمد , وقتل عمد فيه شبهة العمد , وهو المسمى بشبه العمد , وقتل هو خطأ محض ليس فيه شبهة العمد , وقتل هو في معنى القتل الخطأ .
( أما ) الذي هو عمد محض فهو أن يقصد القتل بحديد له حد أو طعن كالسيف , والسكين , والرمح , والإشفى , والإبرة , وما أشبه ذلك , أو ما يعمل عمل هذه الأشياء في الجرح , والطعن كالنار , والزجاج , وليطة القصب , والمروة , والرمح الذي لا سنان له , ونحو ذلك , وكذلك الآلة المتخذة من النحاس , وكذلك القتل بحديد لا حد له كالعمود , وصنجة الميزان , وظهر الفأس , والمرو , ونحو ذلك عمد في ظاهر الرواية , ( وروى ) الطحاوي (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=14695)عن أبي حنيفة (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=11990)رضي الله عنهم أنه ليس بعمد , فعلى ظاهر الرواية العبرة للحديد نفسه سواء جرح أو لا , وعلى رواية الطحاوي (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=14695)العبرة للجرح نفسه حديدا كان أو غيره , وكذلك إذا كان في معنى الحديد كالصفر , والنحاس , والآنك , والرصاص , والذهب , والفضة فحكمه حكم الحديد .
الشريعة والقانون
11-11-2008, 12:27 AM
وأما شبه العمد فثلاثة أنواع بعضها متفق على كونه شبه عمد , وبعضها مختلف فيه , أما المتفق عليه فهو أن يقصد القتل بعصا صغيرة أو بحجر صغير أو لطمة , ونحو ذلك مما لا يكون الغالب فيه الهلاك كالسوط , ونحوه إذا ضرب ضربة أو ضربتين , ولم يوال في الضربات .
وأما المختلف فيه فهو أن يضرب بالسوط الصغير , ويوالي في الضربات إلى أن يموت , وهذا شبه عمد بلا خلاف بين أصحابنا - رحمهم الله تعالى - وعند الشافعي (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=13790)رحمه الله هو عمد , وإن قصد قتله بما يغلب فيه الهلاك مما ليس بجارح , ولا طاعن كمدقة القصارين , والحجر الكبير , والعصا الكبيرة , ونحوها فهو شبه عمد عند أبي حنيفة (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=11990)رضي الله عنه وعندهما , والشافعي (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=13790)هو عمد , ولا يكون فيما دون النفس شبه عمد , فما كان شبه عمد في النفس فهو عمد فيما دون النفس ; لأن ما دون النفس لا يقصد إتلافه بآلة دون آلة عادة فاستوت الآلات كلها في الدلالة على القصد فكان الفعل عمدا [ ص: 234 ] محضا فينظر إن أمكن إيجاب القصاص يجب القصاص , وإن لم يمكن يجب الأرش .
الشريعة والقانون
11-11-2008, 12:36 AM
وأما القتل الخطأ فالخطأ قد يكون في نفس الفعل , وقد يكون في ظن الفاعل أما الأول : فنحو أن يقصد صيدا فيصيب آدميا , وأن يقصد رجلا فيصيب غيره , فإن قصد عضوا من رجل فأصاب عضوا آخر منه فهذا عمد , وليس بخطأ .
وأما الثاني : فنحو أن يرمي إلى إنسان على ظن أنه حربي أو مرتد فإذا هو مسلم .
وأما الذي هو في معنى الخطأ فنذكر حكمه , وصفته بعد هذا - إن شاء الله تعالى - فهذه صفات هذه الأنواع .
وأما بيان أحكامها فوقوع القتل بإحدى هذه الصفات لا يخلو إما أن علم , وإما أن لم يعلم بأن وجد قتيل لا يعلم قاتله فإن علم ذلك .
أما القتل العمد المحض فيتعلق به أحكام : منها وجوب القصاص , والكلام في القصاص في مواضع : في بيان شرائط وجوب القصاص , وفي بيان كيفية وجوبه , وفي بيان من يستحق القصاص , وفي بيان من يلي استيفاء القصاص , وشرط جواز استيفائه , وفي بيان ما يستوفى به القصاص , وكيفية الاستيفاء , وفي بيان ما يسقط القصاص بعد وجوبه .
( أما ) الأول : .
فلوجوب القصاص شرائط : بعضها يرجع إلى القاتل , وبعضها يرجع إلى المقتول , وبعضها يرجع إلى نفس القتل , وبعضها يرجع إلى ولي القتيل أما الذي يرجع إلى القاتل فخمسة : أحدها : أن يكون عاقلا , والثاني : أن يكون بالغا , فإن كان مجنونا أو صبيا لا يجب ; لأن القصاص عقوبة , وهما ليسا من أهل العقوبة , لأنها لا تجب إلا بالجناية , وفعلهما لا يوصف بالجناية .
ولهذا لم تجب عليهما الحدود .
*
ـ حق الإنسان في الحياة:
ومن أجل كرامة الإنسان وحقه في الحياة (حفظ النفس) قررت الشريعة الإسلامية حرمة حياة الإنسان وحفظ هذه الحرمة وعدم الاعتداء عليها بالقتل، فحرّم الإسلام قتل الإنسان واعتبره جريمة موجهة للإنسانية كلها، بل جعل حفظها نعمة للإنسانية. قال تعالى في تأكيد ذلك: مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.
فما أعظم هذه الأحكام وما أبلغها في حماية النفس الإنسانية التي قررتها الشريعة الإسلامية قبل ما يزيد على ألف وأربعمائة عام في الوقت الذي لم يستطع المجتمع الدولي أن يعتبر قتل المئات بل الآلاف من البشر جريمة إلا في عام 1948 حين تقرر عن طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة، ان إبادة ***** البشري جريمة معاقب عليها وقد أوجبت الشريعة الإسلامية في القتل العمد، القصاص من القاتل وجعلت لولي المقتول بعد صدور حكم القاضي بالقتل لتنفيذه على القاتل، ولكن ليس لهم أن يقتلوا سوى القاتل بخلاف ما كان يجري قبل الإسلام على أساس مبدأ الثأر وفي تأكيد ذلك قوله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق) الأنعام/ 151.
ومعنى ذلك أنه لا ينبغي قتل سوى القاتل ثم قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) البقرة/ 178، ورسم القرآن الكريم صورة واضحة لأعمال الإنسان الذي يعتدي على أخيه الإنسان بالقتل وأن ينال من أحد أعضائه قال تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص) المائدة/ 45، فمن قتل إنساناً يقتل ومَن فقأ عيناً فقئت عينه ومَن جدع أنفاً جدع أنفه ومَن كسر سناً لآخر كسر سنه. وهناك تطبيقات كثيرة حصلت في عهد الرسول والخلفاء الراشدين.
وعن سمرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): مَن قتل عبده قتلناه ومَن جدع عبده جدعناه (رواه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي) وهو من رواية والنسائي بزيادة (مَن خصي عبده خصيناه) وصحح الحاكم هذه الزيادة. وعن أنس بن مالك (رض) أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها: مَن صنع بك هذا؟ فلان حتى ذكروا يهودياً فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فأقر فأمر رسول الله (ص) أن يرض رأسه بين حجرين (متفق عليه وعن لفظه) وعن أنس (رض): أن الرُّبَيع بنت النضر عمته كسّرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الإرث فأبوا، فأتوا رسول الله (ص)، فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله عليه وسلم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها. فقال رسول الله (ص): يا أنس كتاب الله القصاص، فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله (ص): (ان من عباد الله مَن لو أقسم على الله لأبره) متفق عليه واللفظ للبخاري ولم يقتصر هذا الحال على عهد الرسول (ص) بل ساد عهد الخلفاء الراشدين أيضاً، فأثناء ولاية عمرو بن العاص لمصر نازع ابن عمرو بن العاص شاباً من دهماء المصريين في ميدان سباق فضرب المصري بالسوط، فأقسم المجني عليه ليشكونه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رض) فقال له: اذهب فلن ينالني ضرر من شكواك فأنا ابن الأكرمين، فرحل الشاب من مصر إلى الحجاز ورفع شكواه إلى الخليفة، فأرسل الخليفة إلى مصر يستدعي الوالي وابنه، وجلس المظالم علانية فقال مخاطباً الخليفة: يا أمير المؤمنين، إن هذا (وأشار إلى ابن عمرو) ضربني ظلماً، ولما توعدته بأن أشكوه إليك قال اذهب فأنا ابن الأكرمين فنظر عمر إلى عمرو، وقال قولته المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ثم توجه الشاكي، وناوله درته وقال له: اضرب بها ابن الأكرمين كما ضربك. وبعد أن اقتص لنفسه من الجاني، طلب إليه أمير المؤمنين أن يضرب عمرو بن العاص نفسه الذي اعتز ابنه بجاهه فارتكب ما ارتكب ولكن الشاب صفح عن عمرو بن العاص وقال مكتفياً: لقد ضربت مَن ضربني يا أمير المؤمنين.
وقد أقر الإسلام مبدأ المساواة في تقرير حرمة الدم واستحقاق الحياة للمسلم وغير المسلم والرجل والمرأة، فالذمي له حق في بلاد المسلمين والمساواة في المعاملة والعدل والقضاء وعصمة دمه ودينه وماله وعرضه، وقد جاء في كتاب الله ما يحدد موقف المسلمين من معاملته. قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب/ 21، وقوله تعالى: (فإن الله هو الغني الحميد) الحديد/ 24 .. وقال: (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غير رحيم) الممتحنة/ 7، ثم قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم ان تولوهم ومَن يتولهم فأولئك هم الظالمون) الممتحنة/ 8 و 9. وفيما رواه عمرو بن العاص (رض) عن النبي (ص): (مَن قتل معاهداً لم يرج رائحة الجنة ومَن قتل قتيلاً من أهل الذمة حرّم الله عليه الجنة) رواه النسائي في سننه. أما بشأن احترام حق المرأة في الحياة ومساواتها بالرجل قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) البقرة/ 228، فهي مساوية للرجل إلا في أمر نص عليه وهو (وللرجال عليهن درجة) وهذه الدرجة فسّرها بقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) النساء/ 34، ثم قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً ونساء) النساء/ 1، وقول النبي (ص): (إنما النساء شقائق الرجال) النساء/ 1.
ومن مظاهر حماية حق الإنسان في الحياة واهتمام الإسلام بالمحافظة على النفس الإنسانية الاهتمام بالمحافظة على الطفل واللقيط واليتيم. فبالنسبة للطفل الاهتمام به يمر من خلال أهمية المحافظة على النسل، لذلك أكدت الشريعة الاسلامية على تأكيد حقوق الطفل وحمايتها ومن أهمها حق الحياة، وتأكيداً لهذا الحق اهتم الإسلام بحقه في الرضاعة والإنفاق عليه. قال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بوالده) البقرة/ 233. فالرضاعة من حقوق الطفل وليس للأم أن تمتنع عن إرضاعه إضراراً بأبيه مثلاً لأن ذلك يصيب الطفل مباشرة.
واهتمت الشريعة الاسلامية، ليس فقط بالطفل الوليد، فحسب بل أيضاً اهتمت بالجنين في بطن أمه وقبل ولادته كانسان في حالة تعرض أمه لأذىً أو للضرب المفضي إلى موت الجنين في بطنها احتراماً لآدميته. وفي تأكيد ذلك عن أبي هريرة (ض) قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله (ص)، فقضى رسول الله (ص) أن دية جنينها غرة) وفي حديث رسول الله في هذا الشأن مسائل منها ما فيه دليل على أن الجنين إذا مات بسبب الجناية وجبت فيه (الغرة) مطلقاً سواء انفصل عن أمه وخرج ميتاً أو مات في بطنها. فأما إذا خرج حيا ثم مات ففيه الدية كاملة ولكنه لابد أن يعلم أنه جنين كأن تخرج منه يدل أو رجل، وإلا فالأصل براءة الذمة وعدم وجوب الغرة .. الخ.
كما حرص الإسلام على الاهتمام باللقيط، وحقه في الحياة وهو الذي لا يعترف بنسبه أحد، فقد أوجب الشرع الإسلامي على المسلمين عدم تركه في مكانه بل أوجب التقاطه والعناية به، وجعله فرض كفاية على المسلمين إذا قام بهذا الفرض بعضهم سقط الإثم عن البعض الآخر وإن لم يقم به أحد فالإثم على الجميع. ويقول الماوردي: ومّن أخذ لقيطاً وقصّر في كفالته أمره أن يقوم بحقوق في التقاطه من التزام كفالته أو تسليمه إلى مَن يلتزمها ويقوم بها.
وقد أولت الشريعة الاسلامية اليتيم اهتماماً خاصاً وكفالة حقوقه واحترام آدميته وحقه في الحياة وعدم الإضرار به وذلك في العديد من الآيات البينات في القرآن الكريم. قال تعالى: (ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم فإخوانكم) البقرة/ 220. ثم قال: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) النساء/ 6. وقال: (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر) الضحى/ 9. وقال أيضاً: (كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين) الفجر/ 17 و 18. وقال: (قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى) البقرة/ 215. وفي الحفاظ على أموالهم ورعايتها قال تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً) النساء/ 10.
وقد أوصى الرسول محمد (ص) باليتيم خيراً عن طريق رعايته وحمايته والعطف عليه احتراماً لآدميته في الحياة وحقه في الحياة الكريمة. قال (ص): (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت للمسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه) وقال أيضاً: (أنا وكافل اليتيم في الجنة). ثم قال في باب ملاطفة اليتيم: (يا أبا بكر، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك).
ولما كان الإسلام يقوم على احترام النفس الانسانية وتكريمها فإن الشريعة الاسلامية أكدت على كرامة الإنسان فإن للشيوخ الطاعنين في السن والعجز حقوقاً يتعين احترامها وتكريمها وقضاء حاجاتهم، فلهم حقوق متساوية ومماثلة لحقوق الآخرين في الحياة والعيش الكريم. وفرض الإسلام على القادرين رعايتهم وتقديم العون لهم. قال النبي (ص): (ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف (حق) كبيرنا). وقد أكد فقهاء الشريعة الاسلامية أن رعاية الشيوخ والعجزة والعناية بهم حق على أقاربهم. فحين لا يوجد لهم أقارب فيقع عند ذلك الواجب على الدولة تنفق عليهم من بيت المال. فتسعى بذلك إلى تحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي. قال رسول الله (ص): (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ويقول الفقهاء المسلمون إن السلطان هو المسؤول عن فرض ما يقوم بالفقراء على الأغنياء. ففي عهد خالد بن الوليد إلى أهل الحيرة ما يمثل معنى ذلك النظام الإسلامي: ( .. فإن فتح الله علينا فهم على ذمتهم، لهم بذلك عهد الله وميثاقه ... وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر وصار أهله يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام فإن خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار الإسلام فليس على المسلمين النفقة على عيالهم).
وحق التكريم الشخصي للإنسان في حياته حق يترتب عنه التزامات إيجابية مظهرها القيام ببعض الأفعال التي تظهر اعتزاز الانسان واحترامه ومنع كل ما من شأنه إذلاله وإهانته. والشريعة الاسلامية أعطت لهذه المسألة ما تستحقه من اهتمام وتكريم. فما دام الانسان يحرص أشد الحرص على احترام الآخرين وإعزازهم فلابد أن تكون حقوقاً متقابلة. ومما يتصل بحق الإنسان في الحياة في الشريعة الاسلامية وتعتبر من متممات ذلك الحق.
أ ـ حق الإنسان في الأمن في حياته:
فالحياة الإنسانية الكاملة مصونة في الاسلام لا يجوز التعرض لها بالقتل أو بالجرح، أو بأي شكل من أشكال الاعتداء سواء كان الاعتداء على بدنه أو على نفسه أو مشاعره أو بازدرائه أو الانتقاص من قيمته الإنسانية.
فالشريعة الاسلامية قررت مجموعة من الأحكام والعقوبات كضمانات تكفل عدم الاعتداء على حياة الانسان حتى يستطيع أن يمارس نشاطه بحرية تامة بدون إعاقة أو ضرر فحرم قتل الإنسان ووضع له القصاص في حالة القتل. ونحت الشريعة الاسلامية منحى متميز عن الشرائع الأخرى فسوت قيمة الانسان الفرد الواحد بقيمة البشرية كلها، قال تعالى: (مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) المائدة/ 32، ولحماية أمن الإنسان في حياته قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) البقرة/ 179، وهذا القصاص عام بدون استثناء يطبق على الجميع بدون استثناء.
وإذا كان الله تعالى حرّم القتل، فإنه حرّم قتل الإنسان لنفسه (وهو ما يسمى بلغة القانون الانتحار) قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء/ 29 وإن قتل الإنسان لنفسه كقتل الغير يعتبر إثماً في الشريعة الإسلامية، قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة/ 195 والله سبحانه وتعالى كما حرّم القتل فإنه حرّم الاعتداء على جسد الإنسان بالضرب أو بالجرح، قال تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) المائدة/ 45.
قال محمد (ص): (ظهر المسلم حمي إلا بحقه) وقال أيضاً: (مَن جلد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان).
ب ـ حق الإنسان في التنقل:
ويعني انتقال الإنسان من مكان إلى آخر بما تقتضيه ظروف الحياة الإنسانية والعمل والكسب الذي لا غنى للإنسان عنه فهو لازم للحياة الإنسانية في مفهوم الشريعة الاسلامية والذي أقرته قال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) يوسف/ 109، وقال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) الجمعة/ 10، ثم قال: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) الملك/ 15.
ج ـ حرمة المسكن:
قررت الشريعة الاسلامية إن للمساكن حرمتها فلا يجوز لأحد أن يدخلها إلا بإذن صاحبها ولا يجوز الاعتداء على حرمة المسكن لأنها اعتداء على حق الإنسان في حياته. ولضمان هذا الحق وضع الشرع الاسلامي مجموعة من الأحكام ينبغي على المسلمين مراعاتها عند دخول المساكن حفظاً لحقوق ساكنيها. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم، والله بما تعملون عليم) النور/ 27 و 28.
ومن الأحكام التي قررتها الشريعة الاسلامية لضمان حرمة المساكن تحريم التجسس والتلصص على مساكن الآخرين وحفظ حرمتها قال تعالى: (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً) الحجرات/ 12.
ومن الحقوق المشتركة بين حق الله وحق الإنسان منع الإشراف على مساكن الناس (ولا يلزم من علا بناؤه أن يستر سطحه وإنما يلزم ألا يشرف على غيره) وتأكيداً لذلك كتب الخليفة عمر بن الخطاب (رض) إلى عمرو بن العاص (سلام عليك أما بعد: فإنه بلغني أن خارجة بن حذافة بنى غرفة ولقد أراد أن يطلع على عورات جيرانه، فإذا أتاك كتابي هذا فاهدمها إن شاء الله تعالى والسلام).
هذه هي أحكام الشريعة الاسلامية الغراء في حماية حق الحياة للإنسان ووضع الضمانات الكفيلة لتلك الحماية التي لم تبلغها شريعة من الشرائع السماواتية ولم تصل إلى كمالها وعلويتها المواثيق والاتفاقيات الدولية أو التشريعات الداخلية وإنما أتى بها القرآن الكريم وبلورتها سنة الرسول محمد منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة.
الشريعة والقانون
10-11-2008, 03:56 PM
في فترة دراستي توقفت عند موضوع القصاص علي مقارنه بين الآية الكريم قوله تعالي { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة — 179 . وبين مقولة العرب (القتل انفي للقتل) والفرق بين بلاغة الاية الكريمه وما تشمله من معاني وبين مقولة العرب فابهرني ما قرأت واردت ان لا تقف المعرفة عندي ادعوي الله ان تصل لغيري فضلت البحت عن كتابتها فوجدت ما اردت ايصاله اليكم مكتوبا باسلوب اتمني ان يكون سهلا وابلغ مني في توصيل المعلومه...
ولا تنسونا بصالح دعائكم
الشريعة والقانون
10-11-2008, 03:58 PM
كانت العرب في الجاهلية إذا اعتدى فرد عليهم أباحوا دمه و دم قومه . و ليس بخاف ما جرى بين بكر و تغلب من حرب سميت بحرب البسوس , و كان باعثها عدوان كليب وائل على ناقة لما رآها في مرعى قد حماه , فهرعت البسوس تنشد الشعر , فثار جساس بن مرة فطعن كليبا طعنة أثقلته فمات منه . و دامت الحرب أربعين سنة سفكت فيها الدماء و أبيحث فيها الأعراض و هلك فيها الحرث و النسل . و ليست حرب داحس و الغبراء عنها ببعيد . و عندما بزغ نور الإسلام في مكة المكرمة كان من أهم مقاصد الشريعة حفظ الأنفس و حقن الدماء و إعمار الأرض , فأنزل الله في كتابه العزيز{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة — 179 . فمن همّ بالقتل فتذكر القصاص يرتدع عن القتل فكان ذلك حياة له و لمن همّ بقتله ، و من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض يقتل بمفرده و لا ذنب لأهله و لا لأهل القتيل . فكان القصاص حياة للفرد وللمجتمع. و حيث وصفت الآية القصاص بأنه حياة فدّل ذلك على أن تشريع غيره كالسجن المؤبد لا يؤدي إلى الهدف . و القصاص ليس وحشية أو ظلم فهو كبتر العضو من الجسد في سبيل بقاء الجسد على قيد الحياة . وأينما تتعطل الحدود الإلهية تنتشر الجرائم , فقدأعلن مكتب التحقيقات الاتحادي الامريكي ان عدد جرائم القتل وحالات الاغتصابالمسجلة في الولايات المتحدة زاد عام 2002. وذكر مكتب التحقيقات في تقريرهالسنوي عن الجريمة في الولايات المتحدة أن جرائم القتل زادت بنسبة 1% ووصلت إلى16204جريمة مقارنة بعام 2001.
نعم حثّ الإسلام على العفو عن المذنب في حقنا ما لم يصل إلى حد الإفساد و الحرابة . إلا أن المصلحة العامة قائمة على تشريع حق القصاص في حالات العمد , مع الندب إلى الرحمة و الرأفة .
كسرت الربيع - وهى ابنة النضر - ثنية جارية فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأبوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص فقال أنس ابن النضر أ تكسر ثنية الربيع يا رسول الله ؟! لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها. فقال: يا أنس كتاب الله القصاص. فرضي القوم وعفوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو اقسم على الله لأبره . زاد الفزارى عن حميد عن أنس فرضى القوم وقبلوا الأرش .أخرجه البخاري .و كانت العرب تقول ( القتل أنفى للقتل ) . إلا أن القرآن معجزة في كل شأن من شؤونه , فلا مقارنة بين الآية الكريمة و بين هذه العبارة و أمثالها , و يمكن أن نذكر بعض الوجوه :
أحدها —الآية الكريمة أكثر فائدة , لما فيها من إبانة العدل لذكره القصاص , وإبانة الهدف و الغرض و هو الحياة , و استدعاء أولي الألباب .
و ثانيها -أنها أوجز في العبارة , فحروف ( في القصاص حياة ) مع التنوين أحد عشر وحروف ( القتل أنفى للقتل ) أربعة عشرة , علماً أن المدار على الحروف الملفوظة لا المكتوبة .
و ثالثها —خلو الآية من تكرار الكلمة .
و رابعها -أنها أحسن تأليفا بالحروف المتلائمة . فإن الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة ، لبعد الهمزة من اللام . وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام .
و خامسها -ما يفيده تنكير " حياة " من التعظيم و التكثير .
و سادسها —اطراد المعنى في الآية . فالقصاص مطلقا سبب للحياة بخلاف القتل فانه قد يكون انفي للقتل كالذي على وجه القصاص وقد يكون ادعى له كالقتل ظلما .
و سابعها-استغناء الآية عن تقدير محذوف , بخلاف قولهم فإن تقديره القتل أنفى للقتل من تركه .
و ثامنها-اشتمال الآية على صنعة المطابقة وهي الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة كالقصاص والحياة .
و تاسعها - تضمن الآية للحث والترغيب فإنها تدل على حياة مذخورة للناس عند تطبيقهم لهذا الحكم .
و عاشرها —مشّرع القصاص لا يريد بقوله هذا إلا حفظ منافعهم ورعاية مصلحتهم من غير عائد يعود إليه حيث قال ( و لكم ).
و كلما زدت في الآية تدبرا زادتك في تجلياتها بجمالها وغلبتك بنورها , وكلمة الله هي العليا .
الشريعة والقانون
11-11-2008, 12:22 AM
كتاب القصاص .
ضابط : القتل أربعة أقسام
أحدها : ما يوجب القصاص , والدية , والكفارة , وهو القتل العمد العدوان المكافئ , ولا مانع .
الثاني : ما لا يوجب واحدا منها , وهو قتل المرتد , والزاني المحصن , ونحوهما .
الثالث : ما يوجب الدية والكفارة , دون القصاص , وهو الخطأ , وشبه العمد , وبعض أنواع العمد .
الرابع : ما يوجب القصاص والكفارة , دون الدية . وهي : ما إذا وجب لرجل . [ ص: 484 ] على آخر قصاص في النفس لقتل مورثه , فجنى المقتص على القاتل : فقطع يديه , فإنه ليس له بعد ذلك الدية . لو عفا , ولو أراد القصاص , فله .
ضابط :
قال في التلخيص : كل عاقل بالغ قتل عمدا , وجب القود إذا كانا متكافئين , إلا في الأصول , وإذا ورث القاتل بعض قصاص المقتول .
الشريعة والقانون
11-11-2008, 12:25 AM
الجناية في الأصل نوعان : جناية على البهائم والجمادات , وجناية على الآدمي .
( أما ) الجناية على البهائم والجمادات فنوعان أيضا : غصب وإتلاف , وقد ذكرنا كل واحد منهما في كتاب الغصب , وهذا الكتاب وضع لبيان حكم الجناية على الآدمي خاصة , فنقول وبالله تعالى التوفيق : الجناية على الآدمي في الأصل أنواع ثلاثة : جناية على النفس مطلقا , وجناية على ما دون النفس مطلقا , وجناية على ما هو نفس من وجه دون وجه .
( أما ) الجناية على النفس مطلقا فهي قتل المولود , والكلام في القتل في مواضع : في بيان أنواع القتل , وفي بيان صفة كل نوع , وفي بيان حكم كل نوع منه .
( أما ) الأول : فالقتل أربعة أنواع : قتل هو عمد محض ليس فيه شبهة العمد , وقتل عمد فيه شبهة العمد , وهو المسمى بشبه العمد , وقتل هو خطأ محض ليس فيه شبهة العمد , وقتل هو في معنى القتل الخطأ .
( أما ) الذي هو عمد محض فهو أن يقصد القتل بحديد له حد أو طعن كالسيف , والسكين , والرمح , والإشفى , والإبرة , وما أشبه ذلك , أو ما يعمل عمل هذه الأشياء في الجرح , والطعن كالنار , والزجاج , وليطة القصب , والمروة , والرمح الذي لا سنان له , ونحو ذلك , وكذلك الآلة المتخذة من النحاس , وكذلك القتل بحديد لا حد له كالعمود , وصنجة الميزان , وظهر الفأس , والمرو , ونحو ذلك عمد في ظاهر الرواية , ( وروى ) الطحاوي (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=14695)عن أبي حنيفة (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=11990)رضي الله عنهم أنه ليس بعمد , فعلى ظاهر الرواية العبرة للحديد نفسه سواء جرح أو لا , وعلى رواية الطحاوي (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=14695)العبرة للجرح نفسه حديدا كان أو غيره , وكذلك إذا كان في معنى الحديد كالصفر , والنحاس , والآنك , والرصاص , والذهب , والفضة فحكمه حكم الحديد .
الشريعة والقانون
11-11-2008, 12:27 AM
وأما شبه العمد فثلاثة أنواع بعضها متفق على كونه شبه عمد , وبعضها مختلف فيه , أما المتفق عليه فهو أن يقصد القتل بعصا صغيرة أو بحجر صغير أو لطمة , ونحو ذلك مما لا يكون الغالب فيه الهلاك كالسوط , ونحوه إذا ضرب ضربة أو ضربتين , ولم يوال في الضربات .
وأما المختلف فيه فهو أن يضرب بالسوط الصغير , ويوالي في الضربات إلى أن يموت , وهذا شبه عمد بلا خلاف بين أصحابنا - رحمهم الله تعالى - وعند الشافعي (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=13790)رحمه الله هو عمد , وإن قصد قتله بما يغلب فيه الهلاك مما ليس بجارح , ولا طاعن كمدقة القصارين , والحجر الكبير , والعصا الكبيرة , ونحوها فهو شبه عمد عند أبي حنيفة (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=11990)رضي الله عنه وعندهما , والشافعي (http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=13790)هو عمد , ولا يكون فيما دون النفس شبه عمد , فما كان شبه عمد في النفس فهو عمد فيما دون النفس ; لأن ما دون النفس لا يقصد إتلافه بآلة دون آلة عادة فاستوت الآلات كلها في الدلالة على القصد فكان الفعل عمدا [ ص: 234 ] محضا فينظر إن أمكن إيجاب القصاص يجب القصاص , وإن لم يمكن يجب الأرش .
الشريعة والقانون
11-11-2008, 12:36 AM
وأما القتل الخطأ فالخطأ قد يكون في نفس الفعل , وقد يكون في ظن الفاعل أما الأول : فنحو أن يقصد صيدا فيصيب آدميا , وأن يقصد رجلا فيصيب غيره , فإن قصد عضوا من رجل فأصاب عضوا آخر منه فهذا عمد , وليس بخطأ .
وأما الثاني : فنحو أن يرمي إلى إنسان على ظن أنه حربي أو مرتد فإذا هو مسلم .
وأما الذي هو في معنى الخطأ فنذكر حكمه , وصفته بعد هذا - إن شاء الله تعالى - فهذه صفات هذه الأنواع .
وأما بيان أحكامها فوقوع القتل بإحدى هذه الصفات لا يخلو إما أن علم , وإما أن لم يعلم بأن وجد قتيل لا يعلم قاتله فإن علم ذلك .
أما القتل العمد المحض فيتعلق به أحكام : منها وجوب القصاص , والكلام في القصاص في مواضع : في بيان شرائط وجوب القصاص , وفي بيان كيفية وجوبه , وفي بيان من يستحق القصاص , وفي بيان من يلي استيفاء القصاص , وشرط جواز استيفائه , وفي بيان ما يستوفى به القصاص , وكيفية الاستيفاء , وفي بيان ما يسقط القصاص بعد وجوبه .
( أما ) الأول : .
فلوجوب القصاص شرائط : بعضها يرجع إلى القاتل , وبعضها يرجع إلى المقتول , وبعضها يرجع إلى نفس القتل , وبعضها يرجع إلى ولي القتيل أما الذي يرجع إلى القاتل فخمسة : أحدها : أن يكون عاقلا , والثاني : أن يكون بالغا , فإن كان مجنونا أو صبيا لا يجب ; لأن القصاص عقوبة , وهما ليسا من أهل العقوبة , لأنها لا تجب إلا بالجناية , وفعلهما لا يوصف بالجناية .
ولهذا لم تجب عليهما الحدود .